كتب وشِعر

حديث عن كتاب رقائق القرآن

مراجعة كتاب رقائق القرآن

 

مازالت الكتب خير جليس وكتاب رقائق القرآن من الكتب التي ترقق القلب وتجعل الإنسان يتساءل عن حاله مع القرآن، هذا الكتاب يأخذنا في رحلة ماتعة يستعرض فيها الكاتب الشيخ إبراهيم السكران بعضًا من الوقفات التدبرية  في القرآن الكريم. فمقدمة الكتاب تؤكد على حقيقة نعايشها جميعا بانهماكنا في دوامة الحياة اليومية و انشغالنا مع العديد من الأحداث المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، ليخسر إنسان هذا العصر الكثير من صفاء الذهن وراحة البال. كما يؤكد على أنه حان الوقت لنستقطع وقتا ونهرب فيه من هذه المشاغل ونعيد شحن أرواحنا المثقلة إلى الارض بتأملات ورقائق من القرآن الكريم .

يبدأ الكاتب في فصل أسماه(ذهول الحقائق) بالحديث عن حالنا مع الموت واختلافنا في التعامل معه بين متعضا به و من يتحاشى ذكره  ظنا منه  أنه يؤخر أجله المقدر له سابقا . ويستعرض بعض الآيات القرانية التي تؤكد أحوال الناس المختلفة مع الموت ، و حقيقة أبدية الحياة بعد الموت وتأقيت الحياة الدنيا وغفلتنا عن هذا . الفصل الثالث أسماه (الإطراق الأخير) يتحدث به عن اليوم الآخر ويصف لنا مشاهد من ذاك اليوم الذي نراه بعيدا لكنه قريبا. وأجمل ما في هذين الفصلين أنهما يضعانك في العمل ينقلانك من الموت واليوم الآخرة كأمور تذكرها حين الوعظ إلى العمل وهذا كان في معظم فصول الكتاب وتأملات كاتبه.

الفصل الذي بين الأول والثالث أسماه (لحظة فداء) وكان فصلا وسيطا بين الموت واليوم الآخرة ليتحدث فيه الكاتب عن إحدى أجمل تجليات التضحية في هذه الحياة . فلحظة الفداء تتجلى في أسمى معانيا في مشاعر الأبوة والأمومة سواء بين بني البشر أو حتى بين الحيوانات، وكيف أنهما أول من يفتديا أبناؤهم في الحياة الدنيا، إلا أن هذا الحال يوم القيامة يختلف ويتبرء من يفتدي ولده في الدنيا منه يوم القيامة فقد قال سبحانه (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ) .

ما تبقى من الفصول توزعت تأملات الكاتب بين القلب وكيف أن الصخور أفضل من بعض قلوب بني البشر، وأهمية أن نعتني بقلوبنا.  كما أفرد فصلا عن مشهد من مشاهد الحياة الروتينية وعقد مقارنة بين الساعة الخامسة والساعة السابعة صباحا في حياتنا وكيف أصبحت الدنيا أهم عندنا من أوامر الله فالكل يستيقظ عند السابعة صباحا للدوام والقلة من يستيقظ للصلاة. أكمل تأملاته عن الصلاة، في فصل أسماه (السجود بين السهام) وفصل آخر أسماه (السهر المهجور) . وكيف أن الصلاة لأهميتها فُرضت حتى في الحروب و فرض لها ظروفها وسط معمة الحروب فكانت صلاة الخوف كما هو معلوم. و كما أنه ذكر أن ليس كل سهر مذموم فالسهر بين يدي الرحمن لقيام الليل أصبح مهجور رغم أن قيام الليل أول الأمر كان من الفروض  فقد قال سبحانه (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) .

أما الفصل الذي أسماه ( هل مجتمعنا خير من مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم؟  )كان من أكثر التأملات التي تجعل القارئ  يتساءل عن حال قلبه وأعماله المعبرة عما فيه، ويتساءل هل أصبحنا من المنافقين دون أن ندرك ذلك؟ فإذا تحسسنا بعض  أفعالنا فقد نجدها تشابهت مع بعض أفعال  المنافقين في القرآن ،  فقد كانوا يصلون لكن كسالى، وكانوا يذكرون الله لكن قليلا فقد قال سبحانه ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا )  وغيرها من الآيات التي تؤكد أن النفاق أفعال واعتقاد كما الإيمان كذلك ، فيجدر بنا تحسس أفعلنا وقلوبنا قبل أن يطبع عليها بالنفاق فقد قال سبحانه ( فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) .

ما تبقى من الفصول كانت تأملات عن (الراضوان)تحدث عن الراضون و أسمى أحد الفصول بهذا الاسم وأبدع في وصف كبار السن من يلهثون بالتسبيح – ليل نهار-  وتسمع مع تسبيحهم آهات العمر الذي مضى، كما أنه أفرد للتوكل واليقين فصلين اسماهما (أقوى الناس) و (كأنك تراه)  في تأمل ممتع حول التوكل ومعانيه في القرآن وحال أهله الأقوياء، ومن ارتقى في مصافا إيمانية عالية فعبد الله كأنه يراه عبده بيقين لا يخالطه شك.

وختم الكاتب بفصل (لم نفعلها، ولكن حسبت علينا)  بالإشارة إلى تلك الكلمات والأفعال التي لم نكترث بها لكنها أثرت على غيرنا، فنجد أنفسنا تقولنا على الله حلالا وحراما دون علم  فعمل غيرنا بما قلنا وحسبت علينا ، أو فعلنا ما يسيء  فقلدنا من أحسن الظن بنا ، فوجدنا صحائفنا يوم القيامة فيها ذنوب لم نقم بها لكن أرشدنا إليها أو شجعنا على فعلها  وقد قال سبحانه ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) . وفي الختام كل هذا الكتاب كانت نظرات وخطرات في بعض المعاني الإيمانية الموجودة في القرآن وتنتظر منا تأملها والتوقف مع غيرها فما هي سوى أنموذج لما في القرآن من حقائق غفلنا عنها وتأملات حرمنا أنفسنا منها بعدم تدبرنا وتفكرنا.  هذا الكتاب يثري العقل ويرقق القلب ويدفعك أن تقرأ القرآن بتأمل وتعيد التفكير في حياتك الدنيا ومستقبلك بعد الممات.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة