جامعتيمهارات

عدم نجاح أقسام الموارد البشرية فى تطوير القادة: الأسباب والحلول

أيمن السيهاتي

تمتلك المنظمات الناجحة عادة قادة أقوياء، حيث يعتمد النجاح التنظيمي والاستمرارية على قدرة الشركة على تحديد ودعم قادة المستقبل، مع ذلك لا تزال العديد من الشركات تواجه قصورًا في القيادة يحول دون نجاحها، رغم جهود أقسام الموارد البشرية لتدريب وتأهيل الرؤساء التنفيذيين، والمدراء، والموظفين.

تهدف هذه المقالة إلى دراسة العوامل التي تساهم في عجز أقسام الموارد البشرية على إنتاج قادة مؤثّرين، واقتراح استراتيجياتٍ لحل هذه القضايا.

تحديد المشكلة:

إنّ بناء قائد قوي هو مسعى متعدد المناحي يدعو إلى الإلمام بالصفات الضرورية للقائد، حيث تعجز العديد من الشركات عن الوصول لمبتغاهار رغم استثمارها بكثرة لتطوير القيادة، ووفقًا لبحث أجراه مركز القيادة الإبداعية، تفيد سبعون بالمائة من الشركات بأن برامج تطوير القيادة الخاصة بهم لا تهيئ القادة كفايةً للمشاكل المستقبلية، وهذا يأخذنا للسؤال التالي: لماذا لا تنجح الشركات في تطوير قادتها؟

بالتأكيد، يحتاج قسم الموارد البشرية إلى تنمية قادة المستقبل الذين لديهم تأثيرٌ واسعٌ على الأعمال التجارية.

لكن تؤدي الإدارة غير الفعالة إلى انخفاض الإنتاجية، وانخفاض مشاركة الموظفين، وارتفاع معدل الدوران الوظيفي، كما يمكنها الإضرار بسمعة الشركة، وقدرتها على جذب كبار الموظفين والاحتفاظ بهم، من خلال إشاعة جوٍ من انعدام الثقة والاستياء بين الموظفين، لذلك من المهم مشاركة الشركات في برامج تطوير القيادة، التي تتسق مع أهداف الشركة، والمرنة لتلبّي احتياجات مكان العمل المتطور باستمرار.

كما يؤدي إخفاق قسم الموارد البشرية والأقسام الأخرى المعنيّة بتطوير القادة، والقيادة (مثل: التعلم والتطوير، تطوير القيادة/الأكاديمية، التدريب، إلخ) إلى تكاليف وخسائر فادحة.

 

تحليل الأسباب:

ينبع عجز أقسام الموارد البشرية عن تنمية القادة المستقبليين من أسباب عدّة، والسبب الأساسي هو الفصل بين التدريب على القيادة والأهداف الاستراتيجية،  حيث تستعمل العديد من الشركات نهجًا واحدًا يناسب الجميع بدلاً من مواءمة التدريب القيادي مع أهدافها ومشاكلها، فغالبًا ما تسبب هذه الطريقة فجوةً بين ما يدرّس في البرنامج وما هو مطلوب للنجاح في مكان العمل، إضافةً إلى أن الشركات لا تولي أهميةً كافية للخبرة العملية الفعلية، التي تشكل عاملاً مساهماً.

تركز العديد من البرامج في عملية بناء القادة على التدريب في القاعات التدريبية، أكثر من التركيز على التجربة العملية وهي بالغة الأهمية لا توفر جميع برامج تطوير القيادة المساعدة المستمرة والتوجيه اللذان يحتاج إليهما القادة للتأقلم جيدًا مع الظروف المتغيرة، وهذه مشكلة نظرًا للطبيعة المرنة للقيادة.

ويعدّ انتشار الأساليب والنماذج التي سبق تجربتها وتوثيقها أحد العوامل التي أبطأت نمو القادة، ولا تزال العديد من الشركات اليوم بحاجة إلى تحسين أساليبها التي تركز على النموذج التنازلي، ونموذج القيادة والسيطرة، فينبغي أن يلّبي النموذج احتياجات الأعمال التجارية الحديثة، كالحاجة إلى قادةٍ يمكنهم العمل مع الآخرين والتفكير بطريقةٍ خلّاقة ومرنة؛ بغية النجاح، وتطبيق المفاهيم القيادية في كل المستويات، والقيادة المنهجية بنجاح.

وللمزيد، أنصحكم بالعودة إلى مقالتي السابقة، بعنوان: “لماذا تفشل برامج تطوير القيادة؟ -تحليل خاص-.”

استراتيجيات النجاح:

(١) التوافق مع أهداف المنظمة:

تحتاج المنظمات إلى استعمال استراتيجية شاملة ومرنة لتطوير القيادة للتغلب على الصعوبات التي تواجه أقسام الموارد البشرية في عملية تنمية القادة، وينبغي أن ترتكز أي استراتيجية على: التوافق مع الأهداف التنظيمية، والخبرة العملية، والمساعدة والتوجيه المستمرين، وأساليب القيادة الحديثة.

ينبغي للشركات أن تعي احتياجاتها القيادية للتأكد أن برامج التطوير القيادي الخاصة بها تحقق أهدافها. يتطلب النجاح في العمل التجاري فحصًا دقيقًا للصعوبات والتطلعات التي سيواجهها الموظفين، بالإضافة إلى تحديد تلك القدرات والكفاءات، ثم يمكن استعمال هذه البيانات لإنشاء منهج تدريبيّ على القيادة مصمم خصيصًا لتحقيق أهداف المنظمة.

(٢) الخبرة العملية:

لا بد أن يوفر أي تدريبٍ قياديّ فعال فرصًا وفيرة للمشاركين لاستعمال مهاراتهم الجديدة. بالإضافة إلى التوجيه والإرشاد وإعطاء التعليمات أثناء العمل. كما يجب على القادة تعزيز قدراتهم من خلال ممارسة القيادة في بيئات واقعية قدر الإمكان مع وجود تعقيب بنّاء.

(٣) الدعم والتدريب المستمر:

ينبغي أن تشتمل أنجح البرامج القيادية على المساعدة المستمرة والتوجيه للقادة المشاركين، ويستلزم ذلك إجراء فحوص بانتظام، فضلاً عن تقييم الأداء، وجلساتٍ للتقييم البنّاء، ويجب توفير برامج فعالة لتطوير القيادة حتى يتمكن القادة من مواصلة تعليمهم والارتقاء بمناصبهم، على القادة هنا، عدم شعورهم بالاكتفاء المعرفي أو التعالي عن التعلم.

(٤) اعتماد نماذج قيادية حديثة:

لتلخيص ما ذُكر، يجب منح الأولوية القصوى في برامج تطوير القيادة، للنماذج القيادية الحالية التي تركز على التعاون والإبداع وإمكانية التكيّف واحتوائها أيضًا على نماذج القيادة الخادمة، والقيادة التحويلية، والقيادة الظرفية، فتراعي هذه النماذج تعقيدات ومتطلبات الشركات الحديثة، وتزود القادة بالمهارات والأدوات اللازمة لتحقيق النجاح في بيئة العمل السريعة والديناميكية اليوم.

لذا علينا تبنيّ أحدث نهج للقيادة وتجنب الممارسات القديمة.

قصص نجاح:

تعدّ جنرال إلكتريك  مثال جيد لشركةٍ استطاعت تنمية قادتها بنجاح، حيث واجهت جنرال إلكتريك في الثمانينيات عددًا من المشاكل الجسيمة، كان أبرزها: الافتقار إلى الابتكار، والإنتاجية الضعيفة، والتكاليف المفرطة، فأنشأت معهد التنمية الإدارية سعيًا لحل هذه المشاكل. أتاح المعهد منهجًا شاملًا للقادة للحصول على الخبرة العملية الحقيقية، والتدريب والتقييم المستمر، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الأساليب والنماذج القيادية للاختيار من بينها. لعب المعهد دورًا هامًا في ارتقاء جنرال إلكتريك إلى واحدة من أكثر الشركات ازدهارًا وتخطيطًا للمستقبل في العالم بأسره.

تمثّل شركة جوجل التي تركز بشكل كبير على تطوير مهارات القيادة مثالًا آخرًا على ذلك. فهي تقدّم تدريبًا ومساعدةً مستمرة لرؤسائها التنفيذيين، وتتيح لهم أيضًا مجموعة متنوعة من برامج التدريب وفرص النمو المهني. كذلك تحثّ جوجل رؤساءها التنفيذيين على تجربة مفاهيمٍ جديدة، وتحمّل مخاطرٍ محسوبة، مما أدى إلى ابتكار وتوسّع كبير في الشركة.

الخاتمة

يعدّ عجز أقسام الموارد البشرية عن تنمية قادة المستقبل عقبة كبيرة يجب على الشركات التغلب عليها، ومع ذلك، يمكن للمنظمات التغلب على هذه التحديات وبناء فريق قياديّ قوي ومؤثر من خلال اعتماد نهج شامل ومرن لتطوير القيادة، أولويته هي التوافق مع الأهداف التنظيمية، والخبرة العملية، والدعم المستمر والتدريب، ونماذج القيادة الحديثة. إنّ عناية الشركات بهذا الجانب ضروري جدًا من أجل ضمان نجاح واستمرار منظماتها على المدى الطويل، وهنا تكمن أهمية الاستثمار في تنمية القادة.

علينا أن نتذكر أن تطوير القيادة ممارسة تستمر مدى الحياة، وتتطلب تحسينًا وتعلمًا مستمرًا لتنفيذ ما تتعلم، ولتنتفع بممارساتك وإخفاقاتك.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة