قلم حر

أنا وفيروز 2

هذا المساء، ككل مساء، فيروز لا تغيب وأغانيها تقطع هدوء المكان، وتترك قلبي على مفترق طرق، طريق لا تعبره إلا الأسئلة، أسئلة كثيرة أندندنها بصوت أقرب للنشاز، صوت فيروز يصلح للمساء، كما يصلح للوحدة، ووقت الضجر، في أوقات الحزن، في حضرة الغياب والوجود، في حقيقة الأمر، أحاول التعويض عن كلّ الصباحات التي لم أستطع فيها أن أسمع صوت فيروز.

تغني فيروز:

“أنا وسهرانة

وَحْدي بالبيت

على السكّيت

ومتل الضجرانة”

نهرب بخوفنا الصغير إلى عالمنا الحقيقي كذنب لم نقترفه، لكنه يلاحقنا كتهمة، نخاف أن يراه الآخرون معلقاً على جدران أرواحنا كلوحة، نركض من العالم الضخم إلى سريرنا الوحيد والمرتجف، من صعوبة ما نمر به في النهار إلى عتمة هذا الليل، الليل المشاكس الذي يلعب مع الأرق على طاولة عمرنا، نحاول أن نستوعب بشاعة كل شيء، ونحتمي داخل ذواتنا ونهرب من العالم إلى عوالمنا، ومن زمانه إلى زماننا!

كل هذه المساءات تشتعل كمصباح يضيء فينا كل الخيبات دفعة واحدة، نمر إلى كل البيوت التي هجرتنا، إلى كل الأيادي التي تركتنا، إلى كل الحنين الذي ضخ به قلبنا كخطيئة، نمر بالجميع الذين تركونا في منتصف طريق ما، نستحضر كل المآسي التي كانت أكبر من أن نحتملها، وداست على قلوبنا الصغيرة، محملين بالأسى من الذكريات، قالتها فيروز:” لا قدرانة فل.. ولا قدرانة ابقى”، تهاود الكثير من الأسوار لتتجاوز نقطة الصفر التي تعود فيها كل مرة بجرح آخر.

تجلس على مقربة من كل شيء، كل الحكايات أصبحت في متناول يدك، إنها أوراق على طاولة هذا المساء، تبتسم وأنت تثرثر بأمل لا يأتي: “سأعيد ترتيب المساء بما يليق بخيبتي وغيابها”، وتنتظر ككل مساء.

ما زالت فيروز تغني:

“أنا سهرانة

وطفيت الضو

وطلع الضو

أنا وسهرانة”

‫٢ تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة