قلم حر

أنا وفيروز

أتى الشتاء يا صاحبي، الشتاء الذي ينخر بالروح، البرد أصاب أطراف قلوبنا المترامية، البرد الذي يختفي خلف “القصص المجرحة”، نهدهد بما تبقى من أمل حين تغني فيروز: “شتي يا دنيا تيزيد موسمنا ويحلى”، بالضرورة أن النفس تميل إلى الأشياء المالحة، رغم أنّ حلاوة الشتاء كانت ترفًا بالنسبة لنا، كمثل الأشياء الحلوة التي كانت ترفًا في حياتنا، ما زالت كذلك بالمناسبة يا صاحبي، طالما هدهدت الأشياء المالحة على جروحنا، الكثير من الأشياء المالحة كانت باستقبالنا دومًا، ما بيننا وبين الأشياء المالحة هو أكثر من الحبّ، بيننا ألفة غريبة ومحببة وتستمر بدون أن نهاودها، ما بيننا أكثر من خبز وملح، إنها العمر الذي عشناه بترف دموعنا المالحة جدًا وكثيرًا.

ولأننا نكره الانتظار يا صاحبي، فقد انتظرنا كثيرًا، انتظرنا عند مفترق طرق مرة، وانتظرنا الوقت المناسب مرة أخرى، ثم انتظرنا الصيف والشتاء وهكذا، حتى تحولنا إلى عمود إنارة، إننا نكره الانتظار، ولا نملك عليه صبرًا، ولكننا ننتظر كما قالت فيروز: “نطرتك بالصيف نطرتك بالشتا”، الشتاء مواسم الحنين إلى البكاء الذي لم نستطع أن نبكيه طوال كل الفصول الماضية.

كما أحسّ نزار بحاجته للبكاء حين كتب :

” إذا أتى الشتاء…

وحركت رياحه ستائري

أحسّ يا صديقتي

بحاجة إلى البكاء

على ذراعي..

على دفاتري”. 

كل شيء ينقلب ضدك، الأشياء في النهاية تستغل فرصة ما لتنقلب، وحدك تجلس في نهاية الحكايات بلا حراك، تحدث الأشياء كما لا تريد أن تحدث وتنقلب على رأسك، إنها النهاية، النهاية تبدو واضحة، لا شيء حقيقي في النهاية، تنتهي الأشياء كما لا يجب أن تنتهي، وتتوقف عندها عن المسير.

هل نستحق كل هذا؟ هل نستحق كل هذه المعاناة لنصل؟ إلى أين نحن سنصل في النهاية؟ لا أعرف إلا شيئًا واحدًا، أنا الآن مثل فيروز وأغني: “معقول في أكتر؟… أنا ما عندي أكتر!”

إلى هنا وينتهي المشهد، لن تسدل الستائر في نهاية الأمر،ولا أحتاج لأن يصفق لي أيّ أحد، أريد أن أستريح، أطفئ الضوء في حجرات قلبي وأنام.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة