جامعتي

أي مقاربة للخروج من ثنائية الديمقراطية والتنمية الاقتصادية بالعالم العربي؟

كشف التقرير الصادر عن أكاديمية ابن رشد، البرنامج العلمي التكويني التابع للمركز العربي للأبحاث، أن المقاربة الأحادية الكلاسيكية للإصلاح المؤسساتي (المقاربة السياسية أو المقاربة الاقتصادية) المنتهجة من طرف غالبية بلدان العالم العربي تعد عاملا أساسيا في فرملة عملية التنمية الاقتصادية والانتقال الديمقراطي في مرحلة ما بعد الربيع العربي. ويعالج التقرير الذي سيصدر قريبا، الثنائية الجدلية بين الديمقراطية من جهة، والتنمية الاقتصادية من جهة ثانية. ويتبنى التقرير طرحا بديلا مبتكرا يعتمد أساسا على سلك مقاربة تحليلية ثنائية قائمة على متغيرين رئيسين: أولا، المؤسسات الاقتصادية والتي تشمل كل من حقوق الملكية وسيادة القانون، بنية الأسواق، والتنظيمات المرتبطة بالقطاع الخاص. وثانيا، المؤسسات السياسية والمتمثلة في المشاركة السياسية، التمثيل السياسي، وفصل السلط.

يركز التقرير بشكل كبير على المؤسسات بنوعيها لعدة اعتبارات. فعلى المستوى الاقتصادي، تساهم منظومة حقوق الملكية وسيادة القانون في خلق وتعزيز ثقة المستثمرين في النظام الاقتصادي والسياسي والقضائي الذي تتبناه الدولة، ما سيمكن أصحاب المشاريع ومالكي رؤوس الأموال من تكوين نظرة واضحة بغرض الاستثمار مستقبلا. وبخصوص بنية الأسواق، يعتبرها التقرير بمثابة محرك أساسي للمنافسة الشريفة بين المزودين، الشيء الذي سيكون دافعا أساسيا لهم من أجل محاولة كسب ثقة المستهلك بتنويع السلع المعروضة أمامه. أما فيما يتعلق بالتنظيمات المرتبطة بالقطاع الخاص، يعتبر التقرير أن البنية التشريعية والقانونية المكلفة على المستوى المساطر الإدارية ستعيق وتفرمل مبادرات ريادة الأعمال الذاتية. بحيث ستقود هذه الوضعية، حسب مضمون التقرير، إلى إنتاج نظام اقتصادي تهيمن فيه الشركات الكبرى لعدم مقدرة نظيرتها الصغرى على تحمل نفقات وتكاليف ولوج السوق.

من جهة ثانية، وعلى المستوى المؤسسات السياسية، يؤكد نفس التقرير على ضرورة تمكين المواطنين من المشاركة السياسية وذلك بمنحهم فرصة المساهمة في صياغة السياسات العمومية وتنزيلها على أرض الواقع كفاعلين محوريين. أيضا، وفي سياق مواز مرتبط بالمنافسة السياسية، تؤكد الوثيقة على دور هذه المنظومة، أي المنافسة السياسية، في الحد من انتشار الريع السياسي بلعبها دور المراقب لصناع القرار بهدف دفعهم لاتخاذ قرارات عقلانية تحسن من كفاءة السياسات العمومية المصاغة والموضوعة. أما أخيرا، شدد التقرير على منظومة فصل السلط كركيزة مهمة في عملية الإصلاح المؤسساتي لحيلولتها دون تعدد وسائل الاحتكار، وردعها لكل تمظهرات الشطط في استعمال السلطة لأغراض خاصة أو غيرها.

في هذا الصدد، يبين التقرير أن توفير بيئة خصبة لتوطيد وتقوية وتفاعل هذين النوعين من المؤسسات سيساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية وتدعيمها ببلدان العالم العربي، الشيء الذي سيؤثر إيجابا على عملية التحول والانتقال الديمقراطي. ولأن التقرير يعالج ديناميكية المنطقة بعد أحداث “الربيع العربي”، فهو يعتبر أن هذه العلاقة السببية التي تربط بين المؤسسات أولا، التنمية الاقتصادية ثانيا، والديمقراطية ثالثا، قادرة على تفسير سبب الركود السياسي والضعف التنموي للمنطقة بعد سنة 2011، كما بإمكانها تقديم حلول وبدائل لصناع القرار من أجل تحويل كل من أزمة “الربيع العربي” وأزمة “كورونا” إلى فرصة تغيير جذري.

في حديث آخر، أوضح التقرير في صفحاته التقديمية على أن السياق المتغير للبلدان العربية في العشرية الأخيرة جعل مسألة الإصلاح المؤسساتي ضرورية. فمنذ سنة 2011، “شهدت المنطقة تداعيات جعلتها تعيش على صفيح ساخن وتواجه انتكاسات بنيوية اقتصادية واجتماعية وسياسية”. وأشار في الإطار ذاته إلى أن الوضع تفاقم بالمنطقة نتيجة انتشار فيروس كورونا وذلك بسبب الوضعية المؤسساتية الهشة. ويعتبر، من هذا المنطلق، أن الفيروس التاجي قد “أدى مهمة “مراقب” و”مقيم” للبنى المؤسساتية الاقتصادية والسياسية للدول بحيث قدم تقريراً مفصلاً عن مدى قدرة هذه المؤسسات على مواجهة الأزمات بقياس نسبة صمودها ومقاومتها وقدرتها على احتوائها”. وبناء على كل هذه المعطيات، اعتبر التقرير أن العشرية الأخيرة قد تحولت من “عشرية فرص” إلى “عشرية ضياع” (أو ما يطلق عليه بالعشرية الضائعة)” في إشارته للفرص الضائعة التي لم يستفد منها صناع القرار بالعالم العربي حسب وصفه.

وفي هذا الصدد، يرى الأستاذ د.نوح الهرموزي، مدير المركز العربي للأبحاث والمشرف على تقرير أكاديمية ابن رشد، أن “أزمة كورونا ليست مجرد أزمة بمنظورها السلبي”، فهي “فرصة لا يجب أن تضيع سداً” بحيث يدعو لضرورة “استخلاص العبر على المستوى المتوسط والبعيد، مع تحديد مكامن الخلل بالنظم الاقتصادية والسياسية المؤسساتية القائمة والعمل على إصلاحها”.

وخلص التقرير في الأخير إلى أن ثنائية التنمية الاقتصادية والديمقراطية تنبني أساسا على علاقة سببية بين الإثنين حيث تساهم التنمية الاقتصادية في تعزيز الديمقراطية عن طريق أربعة عوامل: أولا، الرأس المال البشري المؤهل (Qualified human capital) وذلك بضمان توفير خدمات صحيةٍ وتعليميةٍ جيدة. ثانيا، الطبقة المتوسطة (Middle class) لكونها طرف أساسي في عملية الاستهلاك والإنتاج بالإضافة إلى انخراطها السياسي الذي يضمن توازناً واستقراراً في المنظومتين الاقتصادية والسياسية. ثالثا، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والابتكار (ICT and innovation) لتسهيلها لعملية التواصل بين المواطنين وحدها من نسبة احتكار الدولة للمعلومة. وأخيرا، السلع والخدمات العمومية (Public goods) باعتبارها انعكاسا لشرعية الدولة وقدرتها على تلبية حاجيات المواطنين.

وتجدر الإشارة أن أكاديمية ابن رشد، هي بمثابة سلسلة من الدورات والتكوينات العلمية الهادفة إلى تقديم توصيات للفاعلين السياسيين وصناع القرار بغية محاولة إيجاد حلول للملفات التنموية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بالمنطقة العربية. كما تهدف أيضاً إلى تعزيز ثقافة سياسية شاملة في العالم العربي من خلال إشراك العديد من الأطراف المؤثرة من ممثلي المجتمع المدني والباحثات والباحثين الشباب.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة