العالم من حولي

أمير السلام

كتب/ طارق الجزار

يمر علي العالم الكثير من الحكام والامراء لكن القليل منهم من يتركون بصمه واضحة في أذهان الناس والتي تظل ذكره لهم يتداولها الأجيال المتعاقبة عنهم, كما إنهم يسعون دائماً إلي جعل السلام نموذجاً يطبق علي أرض الواقع وليس مجرد كلمة يرددها القادة أو المحللين السياسيين عبر وسائل الإعلام المختلفة.

ميلاد الأمير الراحل

ولد صباح الأحمد جابر الصباح بمدينة الجهراء شمال العاصمة الكويتية في 16 يونيو عام 1929م, هو الأبن الرابع لأمير الكويت العاشر احمد جابر آل صباح من زوجته منيره العثمان السعيد العيار, كما انه الأخ الغير شقيق لأمير الكويت الأسبق جابر الأحمد آل صباح.

تعليم صُباح الأحمد

عاش صباح الأربعة أعوام الأولي من حياته في كنف عائله ولدته في مدينة الجهراء, وبعدها انتقل إلي العيش في قصر ” السيف ” لكي يكون تحت أنظار جدته ” بيبي السالم الصباح ” والتي كانت تحبه أكثر من أخيه جابر بحد وصفه هو, ألتحق الأمير الراحل بالمدرسة المباركية ليبدأ حياته التعليمية مع شقيقه من الأب وابن عمومته في تلك المدرسة, وبعد انتهاء دراسته بالمدرسة المباركية ارسله ولده إلي العديد من الدول الأوروبية والآسيوية لكي يكمل تعليه بها إضافة إلي التعرف علي الأنظمة الإدارية بها ولكي يتشرب صُباح علم السياسة وذلك لأنه ابن أمير الدولة ومؤهل للوصول إلي هذا المنصب في يوماً ما.

استطاع الأمير الراحل من اكتساب الكثير من المهارات السياسية عبر رحلته الدراسية بالخارج إضافة إلي ما اضفته له الأحداث التي وقعت في العالم والمنطقة العربية كالحرب العالمية الثانية وحركات الاستقلال العديدة التي شهدتها المنطقة العربية بأسرها.

الحياة الأسرية لأمير الكويت الراحل

تزوج صباح الأحمد في ريعان شبابه من الشيخة “فتوح السلمان الحمود الصباح” في أربعينيات القرن العشرين، وهي ابنة عم والده أحمد الجابر الصباح. وصباح الأحمد أرمل، فقد تُوفيت زوجته فتوح قبل الغزو العراقي للكويت، ولم يتزوّج بعدها. لديه منها بنت واحدة وثلاثة أبناء وهم ناصر (وزير الدفاع السابق) و حمد و أحمد توفي صغيرًا في حادث سير في العام 1969م وسلوى وقد توفّاها الله في عام 2002م بعد أن أصيبت بسرطان الثدي.

الانطلاقة الفعلية لصباح الأحمد في عالم السياسية

كانت البداية الحقيقة لصباح في عالم السياسة هو توليه منصب عضو في اللجنة التنفيذية العليا عام 1954م في عهد عبدالله السالم الصباح الأمير الحادي عشر لدولة الكويت, وفي عام 1955م تولي رئاسة دائرة الشؤون الاجتماعية والتي كان من خلالها يهتم بالمشاريع الاجتماعية ووضع القواعد التنظيمية لتوفير فرص عمل كثيرة للمواطنين بالدولة كما انه ساهم في تنظيم تدفق الاجانب إلي دولة الكويت بعد اكتشاف النفط بها, إضافة إلي انه كان يهتم كثير بالأطفال والأمهات وكبار السن فأنشأ مراكز متخصصة لرعايتهم, وبعدها بعام تم تعينه عضو في المجلس التنفيذ للدولة والذي يعد مساعداً لحاكم الدولة, وفي عام 1957م عين الأمير السابق رئيساً لدائرة المطبوعات وتعرف الكويت في فتره توليه لذلك المنصب علي أول جريدة لها تحت مسمي ” الكويت اليوم ” والتي تعتبر الناطق الرسمي للحكومة, كما أنه أسس دار المطبوعات لتغطية كأفة الاحتياجات التي تحتاجها الصحيفة, وساهم في كتابة تاريخ الكويت بدعوته لتأسيس لجنه خاصة للقيام بهذا الأمر, وخلال وليته لتلك الإدارة اصدرت الكويت مجلة ” العربي ” أحد أشهر المجالات الثقافية في المنطقة العربية وفي كلمة افتتاحها قال ” أن تلك المجلة هدية الكويت للعرب ” والتي ساهمت في ربط العرب من المحيط إلي الخليج, وتولي رئاسة تلك المجلة الدكتور والمفكر العربي الكبير أحمد زكي.

الهدف الأول لصباح الأحمد آل الصباح

كان هدف صُباح الأول عندما كان وزيراً لخارجية دولة الكويت هو نشر السلام بين دول العالم وذلك من خلال جهوده والوفيرة في هذا الأمر, وكان من أبرز المواضيع التي ساهم الأمير الراحل في أرساء مبدأ السلام هو الصلح بين مصر والسعودية عامي ( 1965م – 1966م ) وذلك لإنهاء  الصراع العسكري الذي ظهر بين الدولتين على الأراضي اليمنية في تلك الفترة, حيث استضافت الكويت في عام 1966 اجتماعات بين الأطراف المصرية والسعودية واليمنية، وحققّت الخارجية الكويتية في ولايته لها إنجازا تاريخيا بتنظيمها لقاء جمع جميع الأطراف المتحاربة في الشطر الشمالي من اليمن الذي كان منقسما، حيث اقيم اللقاء بين الجمهوريين والملكيين مع ممثلي مصر والسعودية لوضع حد للحرب الأهلية اليمنية التي كانت مشتعلة آنذاك، وقد تابع هذا الأمر عندما استؤنفت الاجتماعات في الكويت في أغسطس 1966م, إضافة إلي العديد من الإسهامات التي قام بها لحل الخلافات السياسية والعسكرية بين دول المنطقة العربية وكذلك علي المستوي العالمي فقد سعى صباح الأحمد في عام 1971 إلى حل النزاع بين باكستان وإقليم البنغال الذي كان جزءا من الجمهورية الباكستانية قبل أن ينفصل عنها في بداية السبعينيات من القرن العشرين، وقد أعقبت تلك المساعي جهود لتطبيع العلاقات بين باكستان وبنغلادش.

أسس صباح الأحمد السياسة الخارجية للكويت على أسس ومبادئ رئيسية كان أهمها التوازن الاستراتيجي والحياد الإيجابي والدفاع عن الثوابت القومية والابتعاد عن الأحلاف العسكرية، إدراكا منه لحساسية وضع الكويت ودقة مصالحها الاستراتيجية العليا التي تفرض عليها انتهاج سياسة خارجية متوازنة ومنفتحة على جميع دول العالم بما يضمن الحفاظ على أمن واستقرار الكويت، وصيانة استقلالها وسلامتها الإقليمية، بعيدًا عن التنازعات والتجاذبات الأيدولوجية أو العسكرية التي كانت تحكم العالم إبان الحرب الباردة, وساهمت تلك السياسة العقلانية التي وضعتها صباح بعد الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990م علي جعل دول العالم تتعاطف مع الكويت وتساعد في طرد العراق منها بعد تشكيل حلف عالمي عربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية ومصر لصد غارات بلاد الرافدين علي الكويت.

الجلوس علي كرسي الحكم بـ الكويت

تولي صُباح الأحمد إمارة الكويت في 29 يناير 2006م بعد ان نقل مجلس الأمة صلاحيات الحكم إلي مجلس الوزراء بعد مرض ولي العهد سعد العبد الله آل صباح, وبعدها قام مجلس الوزراء بتزكية صباح بوليه الأمارة وذلك وفقاً للمادة الثالثة من قانون توريث الإمارة في عام 1964م والذي ينص علي توليه أكبر الأبناء في العائلة الحاكمة أمر إدارة شؤون البلاد, وقد أدي اليمين الدستورية أمام مجلس الدولة وهو أول أمير يقوم بهذا الأمر منذ 1964م.

اهتمام صُباح بالمرأة الكويتية

اهتم صباح بحقوق المرأة الكويتية وفقد ساهم تمرير قانون حقوق المرأة السياسية في مجلس الأمة وذلك في 16 مايو 2005م, والذي كان له أثراً واضح في مشاركتها السياسية بالدولة كما أنها شاركت لأول مره في الانتخابات البرلمانية في 30 يونيو 2006م, واستطاعت أربع نساء بتمثيل المرأة الكويتية في مجلس الأمة عام 2009م.

تكريم الدول لأمير السلام

كرمت العديد من دول العالم الشيخ صباح الأحمد نظراً لجهوده العظيمة التي قام بها في نشر السلام بين الدول, فقد منحته السعودية في 2006م  قلادة الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس المملكة, ونال وسام الاستحقاق العسكري برتيه قائد أعلي من الولايات المتحدة الأمريكية في 18 سبتمبر 2020م, وحصل علي لقب قائد العمل الإنساني من الأمم المتحدة وكذلك وسُميت الكويت بدولة العمل الإنساني وأصبحت مركزاً له في 9 سبتمبر 2014م, وكرمته الدولة التركية في 21 مارس 2017م ومنحته وسام الدولة.

اطلق اسم الأمير الراحل علي الكثير من المناطق داخل وخارج دولة الكويت ومن أبرزها محمية صباح الأحمد الطبيعية بمدينة الجهراء وكذلك مركز صباح الأحمد للقب في المستشفى الأميرية وقاعدة صباح الأحمد البحرية وهي أكبر قاعدة من نوعها في الشرق الأوسط, وخارج دولته أطلقت السعودية اسمه علي أحد شوارع حي الخالدية في جده, وقامت قطر بنفس الأمر في عاصمتها الدوحة, وكرمته المملكة العربية الهاشمية بتسمية أحد شوارع حي القصر بمدنية الكرك باسمه.

الكتب الذي نشرت بأسمه

اصدر العديد من الكتاب الكويتيين كتب تتحدث عن حياة صُباح الأحمد من أهمها  كتاب ” رواد الديمقراطية في الكويت  ” تأليف “فيصل أحمد عثمان الحيدر” و صباح الأحمد: 40 عاما من الدبلوماسية” والذي صدر عن مركز المعلومات والأبحاث – وكالة الأنباء الكويتية. عام 2003م, و”سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح: عزيمة وبناء” صدر عن: مركز البحوث والدراسات الكويتية. عام: 2004, و “عميد الدبلوماسية في العالم: سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر – 40 عاما وزيرا للخارجية”، تأليف رياض عبد الله ملا محمد. عام: 2004.

رحيله عن الدنيا

رحل صُباح الأحمد في 29 سبتمبر 2020م عن عمر ناهز 91 عام تاركاً خلفه تاريخ مشرف سيتذكره الكويتيين والعرب والعالم كله نظير ما قام به طيلة حياته السياسية والتي ساهمت في جعل الكويت مركزاً للسلام, ودفن في مقبرة الصليبيخات بعد ان صُلي عليه في مسجد بلال بن رباح, وصلت السعودية عليه صلاة الغائب في المسجد الحرام والنبوي عقب صلاة العشاء في 30 من سبتمبر 2020م, وصلت عليه أيضاً فلسطين بالمسجد الأقصى عقب صلاة الظهر 1 أكتوبر 2020م.

التعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة