قلم حر

دمعة رصيف على هامش الجامعة

في وهلة الحياة الاولى العادات تقتل إنساننا يا صديقي ، اللعنة ، إنها تعيق المرء من مساعدة الآخرين ، تخجل الأخر من طلب العون ، تعزز الحياء لديه ، التقاليد تفسر مساعدة الأخر على أنها توسل ، لقد انتهى العام الثالث في الجامعة بمأساة ، كنت وصديقي صلاح في أوج المعنوية والتوقد ، كنا نفكر في رسم خطة للرقص مساء ، الآن في ساحة الجامعة تتهيأ الجميلات لختام المرحلة ، الأوغاد غادروا نحو شارع التيه ، وبين لحظة أثارت شجني للتأمل في خطى عابرة متبجحة وأخرى تفقدت بها رأس المال لدى جيبي اللعين ، سقطت الفاضلة حنان ، إنه السقوط في حفر الجامعة ، سقوط التاريخ في بياض الزيف ، حنان معلمة أربعينية ، شاخت على عتبات هذا الصرح ،بشوشة ، مبتسمة ، لطيفة ، أذكر أنني كتبت لها في امتحان ما رسالة امتنان بالسطر الأخير ، بلطف الورد كتبت عزيزي رشيد إنك مختلف كثيرا ، كما أنني سررت للغاية بما فعلت ، لأول مرة تصلني رسالة كهذه” نعم ، سقطت في باحة الهوى المسترسل ، لقد خذلتنا العادات حينها ، قيدت إنسان الريف والمدينة في آن.

حنان رسامة الخطوط الفاصلة بين قدرين أضعفها صيف الحياة هنا ، صراع التاريخ المفخخ بالبطولات الزائفة ، عجزنا عن مد العون لمن يرسم الطريق لنا يا الله ، كانت تستغيث فلا روح هنا ، سوى العدم الإنساني ، الإنسان التقليدي ، العاجز ، ثمة عادات تعيق أنسنة المرء في أحلك الظروف ، يكتسبها البشر سواء كعادة أو دون ، بالأمس أضاعت فتاة مليحة الطريق لكنها لا تجرؤ على استفسار الأرصفة ،وهكذا استمرت بالضياع، و قبل عام وسط سوق شعبي فقد رجل قروي هالك تجر الخيبة عمره منذ ميلاد عجوزه، وهو أيضا يعجز عن إظهار بطاقتها الإنتخابية للعامة، ففقد أخر إنسانة قاسمته الحياة ، في الطريق ثمة من يخجل أن يسأل سائق الباص عن عنوان ما ،فكن التائه حظه الكبير، النسيج الواحد الذي تدعو إليه فلسفة الإجتماع يفشل في الجولات دوما . لكم يشبه هذا العناء الغربة .

صديقي يقرأ الفلاسفة ، والشعر ، والسياسة بجغرافيتها الحاضرة والغائبه ويغني ويرى في الوتر حياة ، تعلق بفتاة تنصفها الموسيقى فقط، منذ عام ويزيد يفكر أن يبوح بمشاعره الصادقة لكنه يعجز ، المشكلة أن الجريمة في فكره تكمن في كلمة “أحبك” ، حبيبته هي الأخرى جعلتها العادات أسيرة رجل في الستين ، إنها لا تمتلك حق الرفض ، حق الاختيار ، بعد أن أصبحت أم وصلتها رسالة مجهولة فيها الكثير من العزاء ، العتاب ، الرثاء ، كنت أنا من كتبتها ، كل مافي السطر الأول كان من رجل يحبك كثيرا إلى امرأة جعلتني شاعر ، وفي أخر البياض ، على كلا العدو الحقيقي لنا العادات ياعزيزة ،نعم ، التقاليد فقط ، لم ينتهي العناء في هذا البلد المحشو بالفكر القبلي ، المتقيد ، إنه مستمر ، سافرت مرة مع عزباء أجبرتها التقاليد على تحمل الجوع وغثاء السفر في المنحدرات ، نظراتها الثاقبة للإنسان وضميره ظلت عصية الفهم علينا ككل ، إنها تخجل من طلب المساعدة ، النزول من الباص ، من شرب الماء ، لا يهم كل هذا ، مايحزنني حقا، وقوع المرء في متاهات التقاليد،النهوض المتأخر ، العجز ، بساحة الآداب سقطت حنان ولكننا لا نستطيع مصافحتها ، لكم تعامست نظراتها نحوي ، معلمة التاريخ حاولت وصديقي الاستقواء على اللحظة بتفاصيلها المرة لكننا عجزنا ، قد نبكي وهذا ليس اعتذار ، إن الوقوف في هكذا حدث مترابط اجتماعيا وثقافيا العيب الأكبر ، إن العادة التي تمنع التلميذ من مساعدة معلمته شابة أو أم ، متمدنة أو ريفية ، لعنة حقا ، وإن جاز الإعتذار فأنا لست مقتنع يا أمنا جميعا حنان ، والزمان مكانك للتوقف

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة