قلم حر

تأملات في الحجر الصحي

مارس 2020

المملكة المتحدة

مبتعثة مع زوجي وطفلتي الصغيرة التي لم تكمل منتصف عامها الأول بعد، ولم نكن حتى وضعنا قد أقدامنا بشكل صلب على هذه الديار الجديدة.

فجأة، بدأ العالم يبث من أطرافه إشارات مزعجة، من الواضح أنه لم يعد كل شيء كما كان في السابق، حتى وإن كان الأذى لم يصلنا بعد إلا أن وعكة الأرض لم تكن شيئًا حميدًا.

بدأ كل شيء بالتلاشي قليلًا قليلًا، أصبحت الحياة تصغر شيئًا فشيئًا، وبدأنا نتسغني عن الكثير من الأساسيات -مجبورين-!

الأرض بدأت وكأنها تنتفض، لا أحد يعلم شيئًا عن هذا العدو الصغير.

“إلزموا بيوتكم” العبارة التي نسمعها ونراها في كل مكان، ولكن أنا لست في بيتي، فهذه الرؤوس الصفراء وإن ألِفتُها فإنها ليست مني ولست منها!

 

مايو 2020

المملكة العربية السعودية

وصلنا من لندن للحجر الصحي في اليوم الثاني من عيد الفطر المبارك؛ وطوال فترة الحجر الصحي التي بلغت عشرة أيام وصلت إلى سلسلة من التأملات والإدراكات.

 

اليوم الأول:

أما الوطن فهو الخبز والسقف والرداء، تخرج منه ولا يخرج منك.

اليوم الثاني:

أدركت أن من يخرج من كورونا دون أن يدرك الحكمة فهو جاهل.

اليوم الثالث:

أدركت أن الإنسان خصيم نفسه، حين يبتعد عن المكان الذي وضعه الله فيه.

اليوم الرابع:

أدركت أن كل شيء يذهب عنك وتبقى أنت فيك، فأصلح نفسك يصلح لك العالم كله.

اليوم الخامس:

أدركت أن الإنسان يخدع نفسه بعلمه وابتكاراته حتى يظن أنه اكتفى، فيرسل الله الغراب ليريه كيف يواري سوأته.

اليوم السادس:

أدركت أن سير المفلحين واحد، مادام الأعوج يرى المستقيم أعوج.

اليوم السابع:

أدركت أن الوقت كفيل بتقريب كل بعيد، والله كفيل بتسهيل كل عسير.

اليوم الثامن:

أدركت أن أثقل شعور على قلب المرء هو شعور الامتنان، والمنّة لله ثم لوطني.

اليوم التاسع:

أدركت أن السلبية غير وحشية البتة، وقد تكون في بعض الأحيان أقصى متطلبات المرء وأمنياته.

اليوم العاشر:

وحتى آخر أيام العمر، أدركت أن الأهل هم نخاع الروح، وحدهم الباقون والآخرون عابرون.

‫٥ تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة