أفلامالعالم من حوليقلم حرمسلسلات

الدراما التركية المعربة تهدد الدراما العربية

في عام ٢٠٠٧ بدأت حالات الهوس بالمسلسلات التركية في الوطن العربي، حيث بدأ الأمر بمسلسلين هما “نور” و”سنوات الضياع” ليحقق المسلسلين نجاحاً ساحقاً، و تخلو الشوارع وقت عرضهما من المارة و ارتفعت نسب مشاهدات قناة MBC السعودية لتصبح هي الأعلى مشاهدة بين كل القنوات الفضائية بفارق يصل إلى ١٠٠% عن القناة التي تليها، بل وانهالت الاعلانات على القناة لتحقق ارباح ومشاهدات فاقت الخيال.
 
للحق أن هناك مسلسلات تركية حقاً مميزة وذات قصص عظيمة وتقدم عبرات وعظات كبيرة أبرزها مسلسل “حُطام” الذي تناول قصة البدل بين طفلتين عن طريق الخطأ في المستشفى بعد الولادة وما نتج عن هذه الحادثة من حوادث لا تنتهي على مدار حلقات المسلسل، كذلك مسلسل “فاطمة” الذي قدم جلسات علاج حية افادت الكثيرون ممن تعرضن لهذه الحوادث، ومسلسل “لحظة وداع” ومسلسل “أنت وطني” ومسلسل “حب أبيض وأسود” الذي قدم المعضلة الأخلاقية العظيمة عن تأثير البيئة المحيطة بالانسان على أفعاله ومسلسل “لعبة قدري” و”على مر الزمن”، كما هناك عدة مميزات جعلت من تلك المسلسلات تتفوق على غيرها حول العالم ويستمر تأثيرها كل هذه السنوات بلا توقف، منها الاختيار الموفق للأبطال والاهتمام بأصغر تفاصيل العمل ووجوه البطلات الخالية تماماً من عمليات التجميل والأداء القوي من الجميع، فضلاً عن الصورة والاضاءة التي أصبحت أكبر مشكلة تواجه المشاهد للدراما المصرية بالأخص في السنوات الأخيرة، فإذا قارنت كمشاهد الصورة بين أي مسلسل تركي وبين الصورة في مسلسل “سفاح الجيزة” الذي يُعرض على المنصات حالياً، ستختار متابعة المسلسل التركي بدون نقاش لما سيحدث لك من اجهاد شديد في العين بعد مشاهدة المسلسلات العربية التي أصبحت خالية من الاضاءة تقريباً، كما أن أبرز ما يميّز المسلسلات التركية، أنّها تصوّر كل حلقة على حدا، تتطوّر معها الشخصيات بشكلٍ منطقي، وهو ما يظهر على الشاشة صدقاً في الأداء، ينعكس على العمل ككل، فيتصاعد الإيقاع حيث ينبغي، ويتباطىء بحسب الضرورات الدرامية، كما ان محتوى ما تقدمه هذه المسلسلات من قصصاً تعج بالحب والرومانسية وانتصار الخير على الشر في أغلب الأحيان يجذب المشاهد العربي، حيث تعوضه عما ينقصه في المسلسلات العربية والمصرية مؤخراً.
لذلك انهال علينا كمشاهدين وابل من المسلسلات التركية جميعها حقق النجاح ذاته منها “العشق الممنوع” و”فاطمة” و”ايزيل” و”حريم السلطان” و”أنت وطني” و”عاصي” و”عشق و جزاء” و”عودة مهند”، حتى عام ٢٠١٢، وحدوث الخلافات السياسية بين تركيا والسعودية ليتوقف وابل المسلسلات التركية على مجموعة قنوات السعودية الـ MBC.
 
حاولت السعودية ملىء الفراغ بمسلسلات مصرية بنكهة المسلسلات التركية من حيث طول عدد الحلقات واختيار ابطالاً يتحلون بالشباب والوسامة والجمال الساحر وقصص حافلة بالرومانسية ومناظر خلابة في الخلفيات، وبالفعل نجحت بعض المسلسلات في جعل الجمهور العربي يستغنى عن المسلسلات التركية لبعض الوقت منها مسلسل “آدم و جميلة” ومسلسل “أريد رجلاً” واللذان حققا نجاحاً هائلاً وكانا حديث البيوت والناس في الشوارع والمدارس والجامعات وأماكن العمل، ولكن لم يستمر الأمر طويلاً وعاد الجمهور للبحث عن المسلسلات التركية التي أدمنها وأصبح من الصعب التخلي عنها، وساعد في ذلك ظهور مواقع الكترونية تعرض الحلقات مترجمة، ليبدأ المشاهدين في ادمان تلك المسلسلات من جديد في صورتها الجديدة بعد معرفة كم أن النسخ المدبلجة كانت تنقص من قدر الاستمتاع بالحلقات وتقلل من أداء الفنانين وتهدر عليك الاستمتاع بالصدق والتألق في الأداء.
 
المفاجىء في هذا هو عودة شبكة MBC إلى البر التركي، بعد توقف من قرابة العامين عن دبلجة المسلسلات التركية لصالح الشبكة الأضخم عربياً، إذ شكل غياب الدراما التركية عن قنوات الشبكة إلى تراجع نسب المشاهدة، فلم تفلح المسلسلات الكورية والاسبانية واللاتينية من إنقاذ الوضع، كما اخفقت المسلسلات العربية مثل “انا شهيرة انا الخائن” و”الشارع اللي ورانا” و”الشطرنج” و”أنا عشقت” و”المنتقم” و”الخطيئة” وغيرهم في تحقيق نسب المشاهدات السابقة للقناة وجلب الاعلانات، وكانت العودة الأولى مع مسلسل “العشق الأسود” ثم “حب أعمى” ثم “عشق ودموع” حيث عادت معهم أمجاد المشاهدات السابقة للقناة رغم نسب التراجع بسبب اعتياد المشاهدين على مشاهدة الحلقة المترجمة كاملة، وعدم وجود داعي لمتابعتها مدبلجة ومقسمة على خمس أيام، ورغم ذلك توالت الأعمال التركية على القناة من جديد حتى توقفت مرة أخرى، وأخفقت أيضاً مسلسلات الحكايات منها “إلا أنا” و”ورا كل باب” و”نصيبي و قسمتك” و”زي القمر” وغيرها في استعادة نسب المشاهدات مرة أخرى، لتبدأ الشبكة الأضخم عربياً في البحث عن الحل، حيث أصبح “التعريب” حلّا جديداً لاستعادة اهتمام الجمهور العربي من خلال وجوه مألوفة لديه وأصبحت جزءا من ثقافته العربية.
 
فما لبثت الشبكة تزامناً مع إطلاقها استوديوهات إنتاج جديدة أن أعادت تفعيل السوق التركي عربياً عبر شراء فورمات تركي وتصوير جزء من مشاهد المسلسل داخل اسطنبول على أن ينتقل التصوير إلى بيروت في وقت لاحق.
ليبدأ الأمر بالتجربة الأولى مع مسلسل “عروس بيروت” وهو النسخة المعربة من مسلسل “عروس اسطنبول”، والذي حقق نجاحاً مذهلاً، واستعاد أمجاد القناة بشكل ما، خصوصاً مع الاختيار الموفق جداً للابطال، ثم جاء المسلسل الثاني “ستيلتو” وهو المأخوذ عن مسلسل “جرائم صغيرة” والذي لم يحقق النجاح المطلوب، ثم جاءت تجربة مسلسل “ع الحلوة والمرة” المأخوذ من مسلسل “في السراء والضراء”، والذي جاء بنجاح متوسط.
 
لكن عادت نسب المشاهدات المهولة تنهال على القناة من جديد مع عرض مسلسل “الثمن” المأخوذ عن المسلسل التركي الناجح جداً “ويبقى الحب”، ثم جاءت التجربة الأخيرة مع مسلسل “كريستال” الذي يُعرض حالياً ويحقق ايضاً نجاحاً كبيراً، لنكتشف أن المسلسلات المعربة التي تحقق نجاح ساحق هي المسلسلات المأخوذة في الاساس عن مسلسلات تركية شهيرة وناجحة جداً.
 
ولكون اي مسلسل منهم قد قدم على أنه النسخة العربية من المسلسل التركي، إلا أنه جاء عربياً فقط على مستوى اللغة المستخدمة والفنانين المشاركين ولم يمتلك أي ملامح أخرى تدل على “عروبته”، حيث اعتمدت المسلسلات المعربة على تبديل الممثلين الأتراك بآخرين من سوريا ولبنان، وعلى تبديل اللغة من التّركيّة إلى اللغة العربيّة فقط، وإن تصادف وكان هناك عمل اختلف السيناريو فيه قليلاً عن النسخة الأساسيّة، كما حصل في مسلسل “الثمن”، فهو ليس بالتعريب، لأنّ التعريب يعني معالجة جديدة للقصة، وبناء حكائي يتلاءم والمجتمع، الذي ستعرض شاشاته ومنصاته العمل الدرامي، فتحذف الكثير من خلفيّاته وأساسياته، ويضاف لها ما يتناسب مع البيئة والمجتمع وثقافة وهموم وتقاليد الجمهور.
 
بقي هناك عيب واضح في هذه الأعمال هو أنّ كادر الإخراج من مخرجيين وفنيين هم من الأتراك، فكيف سنرى عملاً عربيّاً يخرجه الأتراك! بالتأكيد سنرى عملاً على مقاساتهم هم وليس على مقاسات الجمهور العربي.
كذلك من أبرز نقاط ضعف الدراما المعربة، أن بعض الممثلين يتماهى مع النسخة الأصلية، فيتحوّل أداؤه من تقمّص للدور إلى تقمّص لشخصية الممثل الذي لعب الدور نفسه في النسخة الأصلية.
وللحق أن هذه المسلسلات المعربة فيها نقاط تميز وايجابيات كثيرة عن المسلسلات العربية الأخرى وأهمها فن إدارة الممثل، فالمخرجين الأتراك هم أبطال العمل الحقيقيين، والممثل ينفّذ دون اعتراض، أو تغيير في الحوار، أو اقتطاع من أدوار زملائه ليتصدّر بدوره كما يحدث كالعادة في المسلسلات المصرية و العربية.
 
كذلك من مميزات تلك الدراما المعربة انه وفي ظل وجود شركتي انتاج في لبنان، يتناوب ممثلون محددين على أدوار البطولة، هم أنفسهم لا يتغيّرون، ولكل شركة نجومها، ما ينتج عنه مشاهدة النجوم انفسهم دائماً ومن ثم شعور المشاهد أنه أمام مسلسل متوقّع الأحداث مهما حاول العمل تقديم قصّة جديدة.
في حين استطاعت تلك المسلسلات المعربة الاستعانة بوجوه غائبة عن الشاشات منذ سنوات و تقديم وجوه صاعدة في أدوار بطولة مطلقة ما يجدد الدماء الفنية على الشاشات.
 
و لكن لماذا تصر مجموعة القنوات على تعريب المسلسلات التركية ونسخها كما هي بدلاً مثلاً من اقتباس الفكرة و اعادة صياغتها من جديد؟
لأن مع التغيير في الأحداث سيفقد العمل سماته الأساسية التي جعلت الجمهور ينجذب إليه في المرة الاولى، حيث البذخ المشهدي والتوظيف الدرامي المحكم لتفاصيل «المكان» الذي كان الحاضنة الأفضل للديكور وحركة الممثلين والماكياج والأزياء والإضاءة، وحتى المؤثرات الصوتية والموسيقية، ليسهم في تشكيل لغة بصرية «مدهشة» في عمومها، رغم غياب المنطق، والإطالة غير المبررة للأحداث، ودورانها في فلك أحادي رتيب، ما يُعد السمة الأبرز لهذه للأعمال التركية ذي الأحداث «الخيالية» والحلول «الساذجة»، سواء من ناحية علاقة الشخصيات ببعضها البعض أو تصاعد الأحداث والعقد الدرامية وطرق حلها في نهاية كل حلقة، وهو أمر اعتدناه في هذا النمط من المسلسلات «الطويلة» التي لا تبدو لها نهاية، والتي يضطر فيها صناع العمل إلى افتعال أحداث وتفاصيل غير مبررة درامياً، لا يرتجى منها شيء عموماً غير الإفاضة في عدد الحلقات، وتطويق مساحة العمل في فلك الشخصيات الأساسية التي تبدو «كرتونية» بامتياز، ومفتقرة جداً إلى الواقعية في كثير من جوانبها الإنسانية وحتى الفنية، لدرجة قد يحسبها المشاهد «مثالية» في معظم الأوقات، بالنظر إلى تفاصيل الأزياء والماكياج، وحتى تفاعلاتها مع الوسط المحيط بها، التي رتبت بعناية شديدة وحبكة إخراجية ترصد «مَواطن الجمال» على حساب«المضامين». ولعله الأمر الذي دعم ولايزال يدعم نجاح هذه الأعمال المستنسخة، وكرّس وجودها على شاشة المشاهد العربي.
كما أن الأرباح المادية أصبحت العامل الأساسي الذي يدفع صنّاع الدراما لتعريب المسلسلات التركية وإنتاجها بكثرة، ويرتبط هذا التوجه بسعي الشركات المنتجة لتحقيق الأرباح المرتفعة من خلال استغلال شعبية المسلسلات التركية وقاعدتها الجماهيرية الكبيرة.
ليس هناك مانع من التعريب أو الاقتباس إذا كان الجمهور يُفضل هذا النوع ويتابعه، ولكن ستواصل الدراما العربية انحدارها وتدهورها بهذا الشكل، من خلال التركيز على عرض المسلسل التركي المعرب طوال العام، وتهميش الدراما العربية وعرضها فقط في شهر رمضان المبارك، حيث تقلل المسلسلات المعربة من شأن المسلسلات العربية وتهدد وجودها، ذلك بعد أن ساءت حالة الدراما وأصبح التقليد الأعمى للدراما التركية والهندية والغربية، هو الحل الأمثل لاستقطاب المشاهدين والربح من خلال زيادة المشاهدات من خلال محطاتنا الفضائية، أما أعمالنا العربية فتعرض على المنصات فقط.
 
لذلك على الدراما المصرية ان تحارب وتنافس هذا النوع من المسلسلات المعربة التي تقضي على وجودها وهويتها، وعليها التصدي لها بقصص من الروائع التي اختفت عنا وعلى الكتاب والمؤلفين الاكتفاء من مسلسلات الحكايات التي لا يتابعها المشاهد على التلفاز، بل يفضل متابعتها على المنصات في جلسة واحدة، نظراً لقلة عدد الحلقات والمدة الزمنية للحلقة.
فالشارع المصري يعج بمشاكل المواطنين التي يمكن أن تصنع مسلسلات تستمر في العرض على مدار العام، وهناك خيال مؤلفين من المفترض أن ينتج أعمالاً تكفي لكل القنوات الفضائية طوال العام، ولكن الحال هو الاستسهال في كل شيء دون التفكير في النهوض بالفن المصري.
وبخبر حصري ولم يتم تأكيده إلى الأن أنه سوف يتم تصوير مسلسل تركي الأصل معرب في السعودية بالتزامن مع إنطلاق فعاليات موسم الرياض 2023,مع ورود بعض المعلومات عن نقل تصوير جميع المسلسلات التركية المعربة التي سوف يتم تصويرها من تركية إلى السعودية بشكل كامل واعدة بذلك الرياض في حال التأكيد على أنها سوف تكون في السنوات القادمة مدينة إعلامية ضخمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة