كتب وشِعر

سامية جمال … فراشة بين الظل والنور

الفراشة سامية جمال. أربعة وسبعون فيلمًا، مثلتها النجمة سامية جمال أو “زينب خليل إبراهيم محفوظ”، أشاعت بها البهجة والجمال في وجدان المصريين والعرب على مدى خمسة عقود، وكانت مثالًا للفنان المخلص، الذي كافأه إخلاصه بمحبة الناس على اختلاف أذواقهم، سامية جمال ليست اسمًا عابرًا أو صيحة في صحراء لم يسمعها أحد، بل هي لحن جميل فاتن، أضفى على كل فيلم وجدت فيه روحًا مختلفة، وأما اسم “زينب” الذي تحول بعد ذلك إلى سامية، فلذلك قصة حيث قابلتها بديعة مصابني وسألتها: ( إسمك أي يا حلوة؟) (زينب خليل إبراهيم محفوظ) (زينب ده اسم واحدة بتبيع درة مشوي، من هنا ورايح اسمك سامية)، وقعت كلمات بديعة مصابني كالصاعقة على رأس زينب امتزجت فرحتها بغصة كادت تفقدها توازنها، فنطقت بصوت منخفض يصاحبه تأتأة بسيطة وهي تتلفت اتجاه الشاب الذي رافقها في هذا اللقاء:(من هنا ورايح اسمي هيكون سامية جمال: .. اختارت ان يكون اسمها مكتملًا “سامية جمال”، امتنًانًا وعرفانًا وردًا للجميل اتجاه الشخص الذي حقق لها حلم حياتها “مصطفى جمال”.

كتاب “سامية جمال الفراشة”

حياة وفن سامية جمال كانا موضوع كتاب جديد صدر في القاهرة عن دار مصر العربية للنشر والتوزيع بعنوان “سامية جمال .. الفراشة” للكاتبة والمؤرخة والناقدة السينمائية ناهد صلاح، تقول ناهد صلاح في مقدمة  كتابها عن ما جذبها للكتابة عن سامية جمال ” توقفت عند صورة سامية جمال التي تنعكس في مرايا الحياة والفن وتبدو أنها متعددة الابعاد يمكن النظر إليها من أي زاوية، فيما رأيتها تثبت على بعد محوري واحد مسرف في غموضه ورمادية لونه ؛ فخلف ابتسامتها العريضة التي تخرج من بين شفتيها الممتلئتين، يسكن اللغز وتتمدد خيوط النفس الحزينة وتحاول أن تتدبر أمرها لتخرج من الشرنقة شرقًا وغربًا، فيما تتطلع إلى فضاء أوسع ولا شأن لها بمايخبئه المصير”

يتضمن كتاب “سامية جمال … الفراشة” على تسعة فصول، بالإضافة، لفيلموجرافيا وقائمة بالمصادر في أخر الكتاب، حمل كل فصل من الكتاب عنوان لكل مرحلة من حياة النجمة سامية جمال، ففي الفصل الأول “موعد مع المجهول، مرجانة” “أثر الفراشات” “أحمر شفايق” “حبيب العمر” “على مسرح الحياة”، “السمراء والدنجوان” “الغريبة”.

الكاتبة ناهد صلاح لم تكتب فقط عن سيرة وتكنيك الرقص سامية جمال، ولم تحصرها  في هذه الزاوية الضيقة الحادة، فقد يتفق القليل ويختلف الأغلب حول فن الرقص، ولهذا فضلت الكاتبة أن تقدم صورة بانورامية لحياة سامية جمال.

حياة الفراشة سامية جمال

سامية جمال أو زينب خليل أبنة قرية “نا القس”،  التي قضت طفولتها هاربة من زوجة الأب ومن استغلال الأخت وزوجها كخادمة “بلقمتها”، كانت طفولتها صعبة إلا أنها منحتها الحيلة ومصارعة المجتمع بمراوغة وأنثوية، فضلت زينب أن تعيش كالفراشة تسعى للنور، وهربت من عتمة القهر والخدمة بمقابل ملاليم وفي بعض الأحيان قوت يومها من رغيف عيش، لتعيش في أضواء النجومية والشهرة، كانت بدايتها مع بديعة مصابني، التي كانت صالتها في هذا الوقت بمثابة أكاديمية للموسيقى والرقص التعبيري، ومن هذه الأكاديمية تخرج أهم نجوم فن المسرح والسينما في النصف الأول من القرن العشرين مثل فريد الأطرش، اسماعيل ياسين، محمد فوزي، تحية كاريوكا، زينات صدقي، شكوكو، شاركت سامية جمال في التابلوهات الراقصة الجماعية ولكنها كانت تشعر أن ليس هذا ما تطمح إليه وأنها لم تتمرد على كل ما لاقته من عذاب وفقر لتقف في الظل، وطلبت من بديعة أن تعطيها فرصة حقيقية بالرقص منفردة على المسرح، وافقت بديعة وطلبت من مدرب الرقص أن يدربها على بضع حركات لتقدمها على المسرح، وحين جاءت لحظة وقوفها وحدها في مواجهة الجمهور نسيت الإيقاع وتصلب جسدها ولم تر امامها سوى جمهور غاضب ثم اسدلت الستار، تعلمت زينب أنها لا تملك رفاهية الفشل، فقررت أن تتعلم جميع أنواع الرقص شرقي أو غربي، واقتطعت من راتبها اقساطًأ لمدرب الرقص إيزك ديكسون، حتى أصبحت راقصة محترفة واثقة من نفسها، لها أسلوبها في الدمج بين الرقص الشرقي والغربي. علا صيت سامية جمال وتهافتت عليها أكبر الصالات وتنافست على التعاقد معها.

جذب بريق الشاشة الفضية الفراشة وقررت أن تتبع أضواء السينما، ظهرت سامية لأول في السينما عام ،1935 في  فيلم “المعلم بحبح” و “العزيمة” و “انتصار الشباب “، “على مسرح الحياة” وتوالى ظهورها في الأفلام لتقدم تبلوهات راقصة، أو كومبارس مثل فيلم “على مسرح الحياة”، “خفايا الدنيا”، “ممنوع من الحب”، وقعت عقد أول بطولة لها في فيلم “من فات قديمة” عام 1943 وفشل مثل كل بدايات سامية، وعادت ثانية لادوار الكومبارس، شاركت سامية في أفلام عديدة وأخذت مساحات أكبر إلا أن فيلم “أحمر شفايف” كان هو المنعطف الفيصلي حيث رأى فيها صناع السينما وجهًا يمزج بين البراءة والغواية، كانت الانطلاقة الحقيقة لسامية جمال مع فريد الأطرش، وشكلا معًا ثنائيًا في الفن والحياة، استعان فريد الأطرش بسامية جمال كراقصة  ضمن جموع راقصات في استعراض “ليالي الأنس في فينا”، ثم منحها بطولة أول فيلم من انتاجه “حبيب العمر”، ومن أبرز الأفلامها  شاركت  سامية جمال في بعض الأفلام الأجنبية، مثلت دورة البطولة في الفيلم فرنسي “غرام في الصحراء” و”علي بابا والأربعين حرامي”، ومن قبلهما ظهرت كراقصة في الفلم الأمريكي “وادي الملوك”، كان فيلم “ساعة الصفر” هو أخر فيلم قامت بتمثيله عام 1972.

أفردت ناهد صلاح مساحة كبيرة في كتابها “الفراشة” لفريد الأطرش، وهذا ليس لأهمية وثقل فريد الأطرش فقط، ولكن لأنه أخذ هذه المساحة من حياة سامية جمال وكان هو محور مستقبلها وأحداث حياتها،  بدأت قصة سامية مع فريد الأطرش قبل أن تراه بأربع سنوات، عندما سمعته أول مرة من مذياع مقهى قريب من شباك غرفتها، وكان يغني ” باحب من غير أمل وقلبي راضي سعيد … وان طال عليه الأجل أنت الحبيب الوحيد”  مس صوت فريد مشاعر وخيال  زينب وهي لا تزال ابنة الأربعة عشر عامًا، رقصت على صوته وهي  أمام مرآة صنعتها من لوح زجاج وقطعة قماش سوداء،  ولم يخطر على بالها وقتها أنهما سيشكلان ثنائسًا في الفن والحياة، ستشاركه أفلامه ونجحاته ولكنها ستعيش قصة حب كالتي سمعتها أول مرة بصوتة “حب من غير أمل”.

وصفت ناهد صلاح الحالة التي كانت بين سامية جمال وفريد الاطرش بأنها “وتر وخصر يقتربان ويبتعدان، صوت وحركة يتواصلان ويتنافران، دقة عود وقدم راقصة مقبلة على ناهوند وصبا وسيكاه وحجاز، لا تجفل ولا تخاف، حالة خاصة تشابك فيها الفن والحب” ، إلا أن هذه العلاقة ظلت ما بين مد وجذب بسبب رغبة سامية في أن يتزوجا، بينما فريد الأطرش يصر على الرفض بحجة أن الفنان ليس للزواج، فتغضب وتبتعد لبعض الوقت ثم ترجع إليه، إلا أن الكاتبة ناهد صلاح ألمحت أن ما أشاع حول العلاقة بين سامية جمال والملك فاروق قد تكون السبب في عدم الزواج بين سامية وفريد، مستشهدة بحوار أجراه فريد الأطرش مع أيزيس يبرر عدم زواجه من ساميه بأنه كان يغار عليها من الملك، هذه العلاقة التي وبالرغم من تعدد الروايات حولها، فإن سامية جمال نفت هذه العلاقة بينها وبين الملك فاروق في جلسة مع أنيس منصور، تطورت الأحداث والصدمات على سامية، فلماذا لا يتزوجها فريد هل لأن الزواج يقتل الإلهام كما يقول لها دائمًا؟ أم كما كتب في أحدى الصحف  أن فريد الأطرش يرفض الزواج من سامية جمال لأنه سليل عائلة كبيرة في جبل الدروز وتجري في عروقه الدماء الزرقاء مثل الأمراء ولا يليق به أن يتجوز فلاحة مصرية جات من أسرة فقيرة واشتغلت بالرقص! ولماذا أقحمت في الصراع بين القصر والحكومة ، قررت زينب طي صفحتها مع حب العمر سليل أمراء الشام كذلك مع ملك مصر وسافرت الى فرنسا لترتاح من هذا العبث، وتعرفت على شيبرد كينج أحد الأثرياء في أمريكا وتزوجته بعد أن أسلم وعاشت معه في أمريكا.

استطاعت سامية أن تحقق نجاح وانتشار في أمريكا وتصدرت عناوين العديد من الصحف العالمية، ولكنها خلال عدة أشهر فقط اكتشفت بحسب تعبيرها انها مغفلة، حيث استولى شيبرد على عشرة الاف جنيه مصري حصيلة رقصها في خمس ولايات أمريكية، عادت سامية جمال إلى مصر ثانية في حالة سيئة، وجعلت الصحف من سامية جمال مادة شيقة لتجذب القراء، ولكن فضلت سامية مواصلة عملها الفني.

مثل رشدي أباظة مرحلة جديدة في حياة سامية جمال، وهي المرحلة التي قررت فيها الفراشة أن تبتعد عن الأضواء، لتصبح زوجة وربة منزل، بدأت علاقة سامية جمال برشدي أباظة أثناء تصوير فيلم “الرجل الثاني”، استطاعت سامية ان تروض جموح رشدي أباظة، وكسبت حب عائلته وأبنته، فطلب منها الزواج ووافقت على الفور،  اعتزلت سامية الفن راضية سعيدة بهذه الحياة الأسرية، وعاشت حياة أسرية ليست مستقرة تمًامًا بسبب بعض النزوات لرشدي اباظة وأسرافه في شرب الخمر، وبالرغم من نجاح سامية في تغير رشدي أباظة فإنها أحست بإرتباك وخيبة بعد أن فشلت في إزاحته عن شرب الخمور، واختارت أن تنفصل عنه.

تبعت الفراشة  ضوء آخر يبعدها عن صخب الحياة، واختارت أن تقضي باقية حياتها في هدوء، تاركة في ذهن جمهورها صورة الفراشة الشابة الجميلة، وظلت وحيدة إلا أن ماتت عام 1994 إثر جلطة في الأمعاء.

أما مؤلفة الكتاب ناهد صلاح، هي كاتبة وناقدة سنمائية نشر لها العديد من الدراسات الخاصة السينما والفن مثل “تأثير الإعلام على وعي الأطفال”، “تأثير الإعلام المرئي على كبار السن”، الفلاحة في السينما المصرية”، ولها أيضًأ عدة تراجم لسير أهم نجوم الفن وهي”حسين صدقي .. الملتزم”، “سمير صبري .. حكايتي مع الزمان”، “عمرو الشريف … بطل أيامنا الحلوة “، ولناهد صلاح تجربتان قصصيتان بعنوان “دومينو”، “الحته الناقصة”.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة