قلم حر

الحب صدفة يا رفيق…!

   الحب صدفة يا رفيق…!

التحقت قريباً بدراسة الماجستير قسم القانون وبينما أنا في البدايات الأولى من أيام الدراسة أهيم في الدرب وحيداً دونما صديق قديم كان يخفف عهر الأيام في هذا الزمن المستعار.
أحتشدتُ طاقتي واستجمعت قواي وسرت على حافة الطريق وئيد الخطى لدخول الكلية دختلها مختلساً حلم رجل بات عنده هدف في الحياة يسعى إليه بعناد يتحدى الزمن، وبينما كنت أمر على طواريد الكلية شاهدت شابين قاعدين في أحد السلالم يتبادلون أطراف الحديث وبين الفينة والأخرى تعتليهم قهقهات مثيرة.
في تلك اللحظة الفارقة بالذات، هادنت الزمن بالتوقف، وسرت بخطى سريعة في اتجاه معاكس له، مستحضراً الأيام والسنوات الأولى من عمر دراستي الجامعية حينما كنت طالب في كلية القانون في مرحلة دراسة الليسانس، كانت سنوات رائعة أمضيتها، كنت طالباً بلا أضواء طالباً تفوح منه رائحة القروي البسيط.
الان وقد بعث المكان ذكريات طلاب مروا من هناك حينما كنت بلا أضواء وكان صديقي ياسر حامل الضوء ومنبعه، وحامي لحضات الصلف وصانعها، والمصدر الرئيسي في إشعال القهقهات في أفواهنا ورسم الابتسامات العريضة في وجوهنا
استحضرت نبالة وعراقة وأصالة هذا الصديق الذي كان صدفة في وجه القدر، استدعيته من أرض المهجر، بعد أن اغتاله الوطن على حين غرة رماه في أرض المهجر، وبلاد الغربة، ودولة بلاد الناس، ليتكسب قوته بعد أن خذله وطنه ورحل عنا ورحلت معه البسمة والسعادة، التي كانت تعتلي هامتنا بضل وجوده، فقد كان موسيقى فرحتنا.
أنا أمام إحدى قاعات كلية الإعلام أو بالأحرى أنا في ساحة كلية الأداب عند أحد مقاعد الجلوس والانتضار وقضاء النزهة بجوار تلك المقاعد التي يجلس فيه شباب وشابات الجامة لقضاء وقت الفراغ الذي يتخلل بين الماحضرات انتضاراً لقدوم الدكتور المُحاضر لكي يدخلون القاعة عند وصوله، ويمكنني الان أرتجل وضعية لك يا بن أحمد حميد على مقعد يفتقدك حقاً لكني على سبيل العناد أأكد بصدفة الحب، فيأتي صوتك من أقاصي الأيام وأروقة المكان بنبرة صوتية وقد أقترحت علينا عندما نحضر الجامعة ونفاجئ بعدم وجود الدكتور أو أن الدكتور ممل ولا يستحق أن نحضر له كوننا لا نحب الاستماع لمحاضرة ليس فيها منفعة سوى حشو عقول الطلاب غباء، فتقترح علينا بقولك “هيا نذهب اليوم كلية التربية نُضيع الوقت ونصيع ونتبادل أطراف الحديث الساخر وقضاء رغبة حاسة النظر بالتحديق على فتيات كلية التربية .
وكنا نوافق الرأي بسرعة فنذهب لكلية التربية معاً نستهوي الفسحة وضياع الوقت، وما الذي يجعلنا نعيش بأدب؟ ولماذا لا نمارس حياتنا كما نريد بعيداً عن تزمت رجال الدين المقرفين. فقد كنا في جامعة وكل شيء فيها يدعونا للهو وممارسة الطيش ولم نكن في ممارسة لطقوسات دينية ، كنا في باحة جامعة والجو ممتع والساحة مملؤة بالفتيات الحسناوات ونحن بدائين وغرباء نعشق الدهشة ونحب المكان ويجب علينا نعيش اللحظة كونها لا تعود .
يذهب كارلوس زافون في روايته ” ظل الريح “بموافقتنا الرأي وتشجيعنا على ذلك بقوله: ” ابحث عن الفتاة التي تحبها فالحياة قصيرة وجزؤُها الأفضل يمضي سريعا ”
وكنا نحب صدور الفتيات البارزة. وكنا نسمي الصدر البارز بقولنا ” مقدمة ” هذه لديها مقدمة قوية جميلة ، بالمجمل كنا هواة طرائد ومؤذين ونحب النهود البارزة..وكلما في الأمر أننا كنا نحب التسكع في الأروقة بدافع المرح والتسلية،، يقيناً .. كنت أعرف مسبقاً بشكل جيد أني لست براقاً كفاية لجذب الفتيات ولا أفكر في التدرب على ذلك، وذلك لخصوصياتي كوني كائن قلق على الدوام وبلا حضور رومانسي، ولا أحتراف الصيد، وقد كنت اتسكع وأصيع بدافع الفوضى والشغب ، وما دون ذلك فقد كنت أدخل القاعة بعفوية ذلك القروي، وما من أحد ينتظره عدى رفيق وصديق وجد فيه كل ما يحب ويرغب، ومصدر اطمئنان ..!
لم يكن الأمر كذلك عند صديقي ياسر بن أحمد فقد كان شاباً يافعاً مشرقاً جذاب وسارق النظرات، فتيات الجامعة كن لا يبخلن بتسليط سهام أعينهن نحوه باستمرار فقد كان لديه من اللياقة والحضور الكاريزمي ما يجعله شخصية التدوال والحديث بين الفتيات طيلة اليوم
سلسلة طويلة من الأحداث والمغامرات عشناها وعاشتنا، عاصرناها وعاصرتنا، وكانت أيام نقية تكتنفها البهجة والمتعة ومحوطة بصداقة إنسان يشع فرحاً وضياء بحجم الكوكب فما كان من الذكريات الا أن تنحني أمام هيبة وقداسة ذلك الصديق وتلك الأيام والسنون
كم من الوقت يحتاج الإنسان للكتابة عن صديق بحجم ياسر بالتأكيد لا وقت يكفي للكتابة عنه،  وليس أمام المرء إلا أن يشتاق لتفاصيل ياسر ويستحضره أمامه ويعيش معه، وتستطيع استخدم وسيلة الكذب على النفس، فغالط وقتك قدر الإمكان، فالكذب هنا وسيلة لترويض النفس وتهذيبها وتهدئتها من وحشة المكان الذي تركه صديقك ذات مساء تاركاً خلفه الخراب والفراغ وضيق الأفق الرحب أمامك إنه الحظ العاثر، بل إنه القدر المشؤم يتربص بنا في إحدى الزوايا، كلص الحقائب، كالعاهرة،أو كبائع تذاكر اليانصيب .هذه هي تجلياته الأكثر شيوعاً..وكأن الحياة خبط عشواء ..ولقد كتب على عباد الله الصالحين أن يذوقوا مرارة ما يخبئه الغيب..!
هو ياسر على كل حال غاب وغادر وبقيت أنا هنا أمارس هزائمي وانتصاراتي المزيفة أصارع قسوة الحياة وضراوة المكان ليس أمامي هنا سوى الانكسار والخذلان هما سادة الحضور وسادة الغياب، هنا أيضاً أتقيأ جزء لا بأس به من الغضب والندم وخصوصاً حينما اذكر تلك اللحظات الأخيرة قبل سفرك بلحظات ونحن نجوب في أزقة حي المطراق…ومنذ ذك الحين وتلك اللحظة. تحتشد أمامي كل يوم،
يحتشد أمامي جمع كثير من ياسر كل الحضور أنت كل الأمكنة أنت، أروقة الطرقات وطواريد الجامعة أنت، وكافيهات الشاي لا يحضرها سواك فاصطنعك أمامي وأطلب كأس من الشاي نرتشفه سوياً، بلحظة حزن واحدة، بلحظة دمعة ساكبة، بلحظة شوق جارحة، بلحظة ذكريات وادعة.. وفي الأخير أرتشف ما تبقى من الكأس بلحظة حيرة لا تُنسى وألم لا يُعد أكتشف اللحظات المزيفة التي عشتها للتو ونحن نرتشف الشاي فأجدها حياة بلا معنى عندما أنتهي من سكرة الخيال بعدم حضورك الفعلي الحقيقي.
بعد أن هادنت الزمن بالتوقف قليلاً لكي أعود إلى البعيد أي الماضي الذي كنت تمثل الجزء الأصعب والمثير فيه سأتوقف كي أعود الى الحاضر الذي أعيشه معك بتفاصيل أخرى وظروف مختلفة.
كما قلت لك يا صديق أدرس هنا بالجامعة دراسة مختلفة غير التي درسناها معاً بمكان غير المكان الذي كان له رائحة فواحة مشعة بحضورك، وفي زمان لا يختلف عن ذلك الزمن سوى أن لعبة الموت تتعاظم فيه فالحرب هي الزمان والمكان وهي المستقبل،
زمن تحضر فيه بأشكال متنوعة بألوان زاهية رغم بهوتها
ولا تستطيع في هذا الزمن إلا أن تكون أنت الماضي والحاضر والمستقبل في مسيرة الزمن الزاحف من حولنا،
ولا نستطيع إلا أن نحبك في كل الأوقات وكافة المواقف،
لا نستطيع إلا أن نحب هذه الشخصية النقية اللامعة التي تتكون من اسم رباعي الأحرف يتجلى وينبري أمامك بخشوع تام ويتكرس هذا الاسم في الوجدان والشعور والذاكرة كأغنية أمي اليمن لأبوبكر وهي تجوب المنحدرات وتطرب المسافرين..ويرتسم في الأوراق كأنه لوحة فنية بديعة قيمة رسمها رسام عالمي مشهور، أو عليك أن تكون انت اللوحة ، وأنت الألوان بضربات فرشاة فن وحيد تعرفه وتجيده وبرباعية إلهام ، الياء والألف والسين والراء …. هذا الاسم هو ” ياسر ” وحمل معه مثالية وقيم ومبادئ العالم كله، الذي القاه القدر أمامي ذات يوم ضبابي مفعم بالسكون في كلية القانون بجامعة الحديدة كأولى هداياه الصائبة لي في طريقي المليئة بالهدايا الخائبة.
الله وحده العارف كم من عذابات الضمير أحمله على عاتقي في سبيل الحفاظ على أواصر المودة والاحترام الذي أكنه لك ليس من اليوم وإنما منذ زمن بعيد منذ تلك اللحظة الأولى التي التقت فيها نظراتنا وترعرعت صداقتنا في ظلها وشبت على الطوق.. حتى صارت متينة وعصية على الانحلال …!
لذلك سأبقى أجلك وأعزك وأحترمك وأحبك يا صديقي بن أحمد، أمس واليوم وغدا وللأبد : أنت قصة الحب الوحيدة التي بلا خاتمة ، الدراما العصية على تطور مدارس الفن ، والبدائي المنتزع من كبد الأبدية .
ألم ترى كيف مد الله الظل ، يعنيك أنت شعاع الشمس وخطوات الرجولة والموقف ، أحبك في زحام شارع صنعاء وقت الظهيرة ، وفي سقعة ماء الشملان في فصل الصيف ذو الحرارة العالية ، وفي متاعب اليمني في الغربة وهو ينتظر رحلة العودة الى وطنه..! وفي خوف طالب متقدم للاختبار في مادة القانون الدولي الخاص للدكتور أحمد الصلاحي..
أحب نخطك وفوضاك وكبرياءك ونواياك الطيبة، أحب بدائيتك وطموحاتك وشقاوتك وأحلامك العالية ، ولوجعك أحب الوجع ومن رائحة مرضك أجد لنفسي رائحة وإن لم أحبك فما الذي سأفعله بحياتي؟

زر الذهاب إلى الأعلى
error: حقوق النشر محفوظة