
آفاق التعافي الاقتصادي في السودان:تحديات الحرب و إمكانية الإنعاش في 2025
رغم تأثيرات الحرب المستمرة على الاقتصاد السوداني وتراجع قطاعات إنتاجية عدة، هناك مؤشرات تشير إلى إمكانية حدوث تعافٍ للاقتصاد الكلي في السودان خلال عام 2025. أدى الصراع المسلح المستمر في السودان منذ منتصف أبريل 2023 إلى تدهور اقتصادي كبير، حيث تشير معظم المؤشرات الاقتصادية مثل معدلات التضخم والفقر والبطالة إلى تراجع في أداء الاقتصاد الكلي.
ومع ذلك، هناك توقعات بأن يكون أداء موازنة العام الحالي 2025 أفضل من العام 2024، مع وجود خطط وتحركات جيدة لقطاعات إنتاجية مهمة مثل وزارة المعادن والشركة السودانية للموارد المعدنية لزيادة الإنتاج. كما أن هناك تحركات حكومية تهدف إلى تنشيط الاستثمار، خاصة في قطاع النفط، من خلال الدخول في شراكات جديدة مع دول مثل الصين وروسيا.
فيما يتعلق بسعر صرف العملة الوطنية، حدث استقرار نسبي خلال الفترة الماضية بعد أن تراجعت قيمة الجنيه السوداني بشكل غير مسبوق مؤخراً. ورغم التأثيرات السلبية للحرب، من المتوقع أن يحدث تعافٍ خلال العام الجديد إذا ما تم اتباع سياسات اقتصادية تستهدف زيادة الإنتاج وإعادة قطاعات رئيسية إلى دائرة الإنتاج.
القطاعات الصناعية تمثل روافد رئيسية للاقتصاد السوداني، لكنها تضررت بشكل كبير بسبب الحرب، حيث فقد القطاع الصناعي حوالي 85% من إنتاجيته، كما تأثر القطاع التجاري والقطاع المصرفي بشكل واضح. ومن أجل معالجة الخلل الناتج عن الحرب، ينبغي العمل على إعادة تأهيل هذه القطاعات وإعادتها إلى دائرة الإنتاج.
قطاع النفط لم يكن بمنأى عن تأثيرات الحرب، حيث تأثرت عمليات الإنتاج بشكل كبير بسبب الاشتباكات حول أبرز الحقول النفطية، خاصة في ولاية غرب كردفان، مما أدى إلى تراجع الإنتاج اليومي وتوقف تصدير نفط جنوب السودان عبر الأراضي السودانية. ويبرز هنا أهمية الشراكات في مجال التنقيب والاستثمار في القطاع النفطي لتعويض الخسائر الناتجة عن الحرب.
أما في مجال الزراعة، فإن استعادة السيطرة على مدينة ود مدني تعتبر تطوراً مهماً يمكن السودان من زيادة الرقعة الزراعية، خاصة أن ولاية الجزيرة وعاصمتها ود مدني تمثل أكبر رقعة زراعية في السودان. ومن المتوقع أن يساهم ذلك في زيادة الإنتاج الزراعي بشكل ملحوظ.
في السياق النقدي، أطلق بنك السودان المركزي سياساته الجديدة للعام 2025، والتي تستهدف خفض معدلات التضخم إلى رقمين، بعد أن بلغت نسبته 198.22% في نوفمبر الماضي. وتتضمن السياسات الجديدة تحديد الاحتياطي النقدي القانوني بنسبة 10% من جملة الودائع بالعملتين المحلية والأجنبية، مع استثناء الودائع الاستثمارية. وتركز هذه السياسات على تحرير سعر الصرف والعمل على خفض معدلات التضخم عبر إجراءات تستهدف نمو عرض النقود، والتحكم في سعر الفائدة، وتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي، وتنظيم عمليات الاستيراد والتصدير. تهدف الحكومة أيضاً إلى تعزيز دور محفظة السلع الاستراتيجية، واستمرار بناء احتياطيات النقد الأجنبي، والعمل على جذب تحويلات السودانيين العاملين بالخارج.
كما وجهت السياسات النقدية بتوسيع فرص التمويل في القطاعات ذات الأولوية وفي المناطق الآمنة لتأهيل وتطوير البنى التحتية فيما يخص الأمن الغذائي، ترى الحكومة السودانية أن البيانات التي تشير إلى انعدام الأمن الغذائي في البلاد غير دقيقة، وتنفي وجود مجاعة في البلاد رغم التقارير الأممية التي تشير إلى حاجة نحو 30.4 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية في عام 2025. كما أكدت الحكومة التزامها بالتعامل مع المنظمات الدولية التي تراعي الشفافية وتحترم سيادة البلاد. في خضم هذه التحديات، يسعى السودان إلى إحداث تعافٍ اقتصادي عبر سياسات إصلاحية تشمل تعزيز الإنتاج المحلي، وتوسيع رقعة الزراعة، وإعادة هيكلة القطاعات الإنتاجية، والاستفادة من الشراكات الدولية، مع التركيز على تنمية الموارد النفطية والمعدنية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود.